فصل فيما يبطل الصـلاة
1) بطلان الطهارة؛ بأي سبب من الأسباب المبطلة للطهارة ؛ كخروج البول أو الغائط أو الريح أو النوم؛ لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة ، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَقْبَلُ الله صَلاةِ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) [البخاري ومسلم].
2) كشف العورة عمداً؛ لأن ستر العورة أيضاً من شروط صحة الصلاة، وسواء كان الانكشاف كثيراً أو يسيراً ، طال زمانه أو قصر ، فإنه يبطل الصلاة إذا كان عمداً .
أما الانكشاف الفاحش عرفاً مع طول زمانه فيبطل الصلاة ، وإن لم يتعمد كشفها .
فإن كان الانكشاف فاحشاً عرفاً وقصر زمانه ، لم يبطل الصلاة إذا لم يتعمد كشفها . ومثله إذا انكشف شيء يسير من العورة من غير عمد ، فلا يبطل الصلاة ، لما ثبت من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه ، وفيه: (فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّى ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا...) [البخاري وأبوداود واللفظ له]
3) استدبار القبلة مع القدرة على استقبالها مبطل للصلاة؛ لأن استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة، ولقول الله تعالى : ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾.
ويسقط استقبال القبلة في ثلاثة مواضع :
الأول: حال العجز عن استقبالها ، كما لو كان مربوطاً إلى غير القبلة ، أو مريضاً عاجزاً عن استقبال القبلة ، فيصلي على حسب حاله ؛ لقول الله تعالى : ﴿فَاتَّقُواْ الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
الثاني: حال اشتداد الخوف ، كحال التحام الصفوف في الحروب ؛ لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا ، قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا ، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) [البخاري] .
الثالث: أداء المسافر لصلاة النافلة على الراحلة أثناء سير ، ولكن يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة ؛ لما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَافَر فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ القِبْلَةَ ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رَكَابُهُ) [أبو داود بإسناد حسن] .
4) إصابة المصلي بالنجاسة مع علم بها ولم يزلها في الحال؛ لأن إزالة النجاسة من الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة . فإن أزالها في الحال صحت صلاته ، لما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا) [أبو داود بإسناد صحيح] .
5) العمل الكثير من غير جنس الصلاة، لغير ضرورة ؛ كالمشي والحك وتعديل الثياب والنظر في الساعة، إذا كثر وكان متوالياً ، أبطل الصلاة إجماعاً ، ولأنه يقطع الموالاة ، ويمنع متابعة الأركان، ويذهب الخشوع .
فإن كانت الحركة من غير جنس الصلاة لضرورة ؛ كالخائف من عدو أو حيوان ، أو حكة لا يصبر عنها، أو لقتل عقرب أو حية، لم تبطل الصلاة ؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ العَقْرَبُ وَالحَيَّةُ) [أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح].
ولا تبطل الصلاة كذلك إذا كانت العمل متفرقاً غير متوالٍ ؛ ويدل لذلك حديث أبي قتادة (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ وَهُوَ حَامِلٌ ابْنَةَ زَيْنَبَ عَلَى عُنُقِهِ ، فَيَؤُمُّ النَّاسَ ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) [أحمد بإسناد صحيح].
6) الاعتماد بقوة على شيء أثناء الصلاة بغير عذر، بحيث لو أزيل هذا الشيء الذي يعتمد عليه لسقط؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة ، والمستَنِد بقوة في حكم غير القائم.
7) إذا قام للركعة الثالثة ونسي التشهد ثم رجع إليه بعد البدء بالقراءة وهو ذاكر عالم بالحكم ؛ لأنه زاد فعلاً من جنس الصلاة ، ولما روى زياد بن علاقة قال: (صَلَّى بِنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) [الترمذي بإسناد صحيح]. أما إن رجع ناسياً أو جاهلاً ، فلا تبطل صلاته .
8) تعمد زيادة ركن فعلي في الصلاة ؛ كالركوع والسجود، فتبطل الصلاة ؛ لأن هذه الزيادة تخلَّ بنظم الصلاة وتغيّر هيأتها ، فلم تكن صلاة ولا فاعلها مصلياً؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) [البخاري ومسلم] .
أما لو كانت الزيادة سهواً فلا تبطل الصلاة بذلك ؛ لما ثبت من حديث ابن مسعود (إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) [مسلم]. ولا تبطل أيضاً إذا زاد ركناً قوليًّا كقراءة الفاتحة مرتين .
9) تقديم بعض الأركان على بعض عمداً؛ كتقديم السجود على الركوع ، فتبطل الصلاة حال التعمد؛ لأن ترتيب أركان الصلاة ركن في الصلاة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) [البخاري].
أما في حال السهو ، فلا تبطل الصلاة ، ولكن يجب عليه أن يرجع إلى الركن الذي تركه .
10) السلام قبل إتمام الصلاة عمداً ؛ فتبطل الصلاة ؛ لأنه تكلم في الصلاة في موضع غير مأذون به ، ولأنه على غير ما أمر الله به ورسوله من كون التسليم بعد إتمام الصلاة .
11) إحالة المعنى في القراءة عمداً ؛ كالذي يكسر الكاف في (إياكَ) أو يضم التاء في (أنعمتَ)، وسواء أكان اللحن في قراءة الفاتحة أو في غيرها ، فإنها تبطل الصلاة إذا تعمد ذلك ؛ لأن هذا من الاستهزاء المحرم.
12) الدخول في الصلاة عرياناً لعدم وجود ما يستر به عورته ، ثم وجد سترة بعيدة عنه أثناء الصلاة ؛ فهذا تبطل صلاته لأنه لا يمكنه أن يستتر إلا بعمل كثير ينافي حال الصلاة .
13) فسخ النية ، والتردد فيها ، والعزم على فسخها؛ مبطل للصلاة ؛ لأن استدامة النية شرط في صحة الصلاة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) [البخاري ومسلم] .
14) إذا شك هل نوى للصلاة أو لا ، فبنى صلاته على الشك ؛ بطلت صلاته ؛ لأن الأصل عدم النية.
15) الدعاء بملذات الدنيا ؛ كقوله : (اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيباً) ؛ لأنه من كلام الآدميين ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) [رواه مسلم].
* والرواية الأخرى في المذهب جواز الدعاء بحوائج الدنيا وملاذها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدُ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ يَدْعُو بِهِ) [النسائي بإسناد صحيح] .
16) الضحك والقهقهة بصوت مرتفع في الصلاة ؛ لما جاء عن جابر رضي الله عنه موقوفاً : (مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلاةِ أَعَادَ الصَّلاةَ وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ) [الدارقطني وقال: الصحيح عن جابر من قوله].
17) الكلام في الصلاة ولو سهواً ؛ لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه (كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ ، حَتَّى نَزَلَتْ ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ) [البخاري ومسلم].
18) تقدم المأموم على الإمام ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) [البخاري ومسلم] ، ولم ينقل تقدم المأموم على الإمام عن أحد من السلف أو الخلف.
19) بطلان صلاة الإمام تبطل صلاة المأموم خلفه ؛ لارتباط صلاة المأموم بصلاة إمامه ، وسواء كان سبب بطلان صلاة الإمام ترك ركن ، أو انتقاض طهارته .
20) تسليم المأموم قبل الإمام عمداً ، أو سهواً إذا لم يعد التسليم بعد الإمام؛ لأن مسابقة المأموم للإمام مبطلة للصلاة . فإن كان تسليمه سهواً فالواجب عليه أن يعيد التسليم بعد تسليم الإمام وإلا بطلت صلاته .
21) الأكل والشرب عالماً ذاكراً ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ؛ لأن الأكل والشرب عمل من غير جنس الصلاة. وهذا بإجماع أهل العلم إذا كانت الصلاة فرضاً.
أما ما علق بين الأسنان من طعام فلا يبطل الصلاة إذا بلعه مع الريق من غير مضغ؛ لأنه عمل يسير ، ويشق الاحتراز منه .
22) النفخ والنحنحة أثناء الصلاة بلا حاجة ، إذا ظهر منه حرفان ؛ لأنه صار كالكلام ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (النَّفْخُ فِي الصَّلاةِ كَلامٌ) [عبدالرزاق، قال ابن المنذر : لا يثبت عنه].
* والرواية الأخرى أن النفخ لا يبطل الصلاة ، لما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ صَلاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ) [أبو داود بإسناد صحيح]. ومثل النفخ النحنحة فلا تبطل الصلاة سواء بان حرفان أم لا ، لأنها لا تسمى كلاماً ، وتدعو إليها الحاجة في الصلاة.
23) الانتحاب والبكاء والتأوه والأنين أثناء الصلاة ، لا بقصد الخشوع والخشية إذا بان منه حرفان؛ فإن كان خشية لله لم يبطل الصلاة ؛ لقول الله تعالى : ﴿خَرُّوا سٌجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ ، ولحديث عبد الله بن الشخير قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ – يَعْنِي يَبْكِي -) [أحمد والنسائي ، بإسناد صحيح]. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: (سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَقْرَأُ مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ..) [عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، بإسناد صحيح].
24) إذا سبق على لسان المصلي كلام غير القرآن أثناء القراءة ، أو غلبه سعال ، أو عطاس ، أو تثاؤب ، أو بكاء ، فلا تبطل الصلاة بذلك ؛ لأن هذه الأمور لا يمكن التحرز منها ، وقياساً على الناسي . وقد جاء عن عبد الله بن السائب (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ (المُؤْمِنُونَ) فِي الصُّبْحِ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ ، فَرَكَعَ) [البخاري تعليقاً ، ومسلم].